تعتبر الانتخابات ذات مصداقية عندما تتّسم بالشمولية، والشفافية، والمساءلة، والتنافسية.
الانتخابات الشاملة هي تلك التي تمنح جميع المواطنين المؤهّلين فرصاً متكافئة للمشاركة كناخبين في اختيار ممثّليهم، وكمرشّحين للفوز بمناصب الحكم. لا شكّ أنّ هذا الحق في المشاركة هو مفهوم واسع وعام، لا يمكن إلاّ أن يخضع لقيود منطقية ينصّ عليها القانون. أما السلطات فيتعيّن عليها أن تتخذ الإجراءات اللازمة لتقييم وإزالة أي عوائق تعرقل مشاركة جميع المواطنين. تشمل تلك الإجراءات تبديد العقبات التي تقف في وجه المواطنين المهمّشين عادةً، كالأقليات العرقية أو الدينية أو اللغوية؛ النساء، الشباب، أو المسنّين؛ أو الأشخاص ذوي الإعاقة. لذلك، من الضروري أن تكون القيود المفروضة على حقّ المشاركة محصورة، ومرتبطة مثلاً بالسنّ القانونية للاقتراع أو الترشّح للانتخابات.
تعتبر الانتخابات شفّافة عندما يخضع كل إجراء من إجراءاتها للتدقيق، ويتحقّق أصحاب الشأن بكل استقلالية مما إذا كانت العملية الانتخابية جرت بنزاهة ودقّة. يرتبط مبدأ الشفافية بالحقّ الأساسي لكل فرد بطلب وتلقّي ونقل المعلومات (التي تشكّل عناصر حرية التعبير)، وكذلك بحقّه بالمشاركة في الحكم وإدارة الشؤون العامة[2]. من الضروري أن توضع عملية صنع القرارات موضع تدقيق، على أن يحظى المواطنون بفرصة كافية لإبداء ملاحظاتهم وآرائهم حولها. ومن الضروري أيضاً أن توضع المعلومات المتعلقة بكل مراحل الدورة الانتخابية في متناول المواطنين، بمن فيهم الناخبون والمرشحون. فضلاً عن ذلك، يجب الاستعانة بمراقبين معتمدين، أمحايدين كانوا أم حزبيين، لمواكبة العملية الانتخابية بجميع مراحلها، وأن يُسمَح لهم بالتعليق علناً على مجرياتها، من دون الخضوع لأي قيود غير مقبولة.
يشير مبدأ المساءلة في الانتخابات إلى حقّ المواطنين في مراقبة مسلكية الأطراف المعنيين بالشأن الانتخابي، بمن فيهم المسؤولون في الحكومات، وهيئات إدارة الانتخابات، والأحزاب السياسية، والقوى الأمنية. فالانتخابات هي آلية أساسية تتيح للمواطنين إخضاع مؤسسات الحكم للمساءلة، لكنّ المساءلة لا تقف عند هذا الحدّ بل يجب أن تنسحب أيضاً على الإجراءات الانتخابية بذاتها. لا بدّ أيضاً من اعتماد السبل الفعّالة لمواجهة كل انتهاك للحقوق الانتخابية، وإخضاع الأطراف القيّمين على تنظيم الانتخابات ومختلف الأنشطة الحكومية المرتبطة بها للمساءلة الإدارية. فضلاً عن ذلك، يجب اتخاذ الإجراءات المناسبة من أجل محاسبة كل من يرتكب أعمالاً جرمية تمسّ بالحقوق الانتخابية.
تتميّز الانتخابات بطابع تنافسي عندما يحظى المواطنون بفرص متكافئة وعادلة لخوض المعركة الانتخابية بهدف الفوز بمناصب في الحكم. فالمنافسة السياسية هي ركن أساسي في الانتخابات التي تعكس حقاً إرادة الشعب، عدا عن أنّ مبدأ التنافسية يحيط بكل جوانب الانتخابات على امتداد الدورة الانتخابية. لا بدّ من أن يسمح الإطار القانوني للمواطنين بالتجمّع وتسجيل الأحزاب السياسية لتمثيل مصالحهم، وتوفير إمكانية الترشّح للأحزاب و/أو المرشحين، وتمكين الأحزاب والمرشحين من تنظيم الحملات الانتخابية، وفي المقابل الناخبين من الإدلاء بأصواتهم من دون التعرّض لأي ضغوط غير مشروعة، أو لأعمال الترهيب والعنف.
الانتخابات هي مسار
الانتخابات هي مسار يأخذ مجراه، لا مجرد حدث. وكل عملية انتخابية تضمّ عدة عناصر وتستلزم مشاركة عدة مؤسسات وجهات في فترة ما قبل الانتخابات، أثناء اليوم الانتخابي، وما بعد الانتخابات، وكل ذلك يؤثّر على مستوى الشفافية والشمولية والمساءلة والتنافسية في الانتخابات.
ي مرحلة ما قبل الانتخابات، تعمل الهيئات التشريعية ومؤسسات الدولة على تحديد أو تحسين الإطار القانوني والإجرائي الذي ستجري الانتخابات في ظله. فتقوم هيئات إدارة الانتخابات بمجموعة أنشطة في إطار التحضيرات لليوم الانتخابي والإعداد لنتائج الانتخابات. قد تعمد السلطات إلى رسم حدود الدوائر الانتخابية وفق ما يتماشى مع طبيعة الانتخابات والنظام الانتخابي المعتمَد. أما هيئات إدارة الانتخابات، أو أي مؤسسات أخرى تابعة للدولة، فتتولّى تسجيل الأحزاب السياسية، محدّدةً الأحزاب و/أو المرشحين المؤهّلين للترشح. وتمنح أيضاً بطاقات الاعتماد إلى المراقبين الدوليين والمدنيين (المحليين)، وكذلك إلى مندوبي المرشحين والأحزاب والإعلاميين الذين سيتابعون عن كثب الإجراءات القانونية. من جهة أخرى، تشرف الهيئات المذكورة أو المؤسسات المسؤولة الأخرى عادةً على عملية تسجيل الناخبين، للتأكّد من ورود أسماء جميع المواطنين المؤهّلين ضمن قائمة الناخبين. قد يضطر الناخبون إلى اتخاذ خطوات فعلية لتسجيل أسمائهم، أو اغتنام الفرصة أحياناً لتصحيح أو تعديل المعلومات الواردة في تلك القوائم. بالتزامن مع ذلك، يطلق المرشحون والأحزاب السياسية حملاتهم الانتخابية بهدف استقطاب الدعم لبرامجهم السياسية. من جهتها، تقوم هيئات إدارة الانتخابات ومنظمات المجتمع المدني بجملة أنشطة من أجل تثقيف الناخبين، مما يمكّن المواطنين من الاطّلاع على الإجراءات الانتخابية، واتخاذ خيارات مدروسة عند الإدلاء بأصواتهم في صناديق الاقتراع. إضافة إلى كل المهام السابقة، تهتمّ تلك الهيئات بالترتيبات الإدارية واللوجستية المتعلقة بعملية الاقتراع، بدءاً بشراء وتسليم المواد اللازمة لهذا الغرض، وصولاً إلى تجنيد وتدريب العاملين في مكاتب الاقتراع.
في اليوم الانتخابي، يدلي الناخبون المؤهّلون بأصواتهم في مكاتب الاقتراع، حيث يتولّى رئيس وأعضاء هيئة المكتب تيسير هذه العملية، ويشرفون على فرز الأصوات عند إقفال صناديق الاقتراع. غالباً ما يواكب المراقبون المعتمدون لدى الأحزاب السياسية والمرشحين وهيئات المجتمع المدني المحايدة والمنظمات الدولية، وكذلك الإعلاميون، إجراءات الاقتراع وفرز الأصوات. عند الانتهاء من احتسابها، يُصار إلى إرسال مجموع الأصوات إلى مركز مؤقت لتجميعها، ثمّ إيداعها في النهاية لدى المركز المخصص لجدولة النتائج، حيث تجري مراجعة النتائج الأولية أو المبدئية. تجدر الإشارة إلى وجوب البتّ في المنازعات والشكاوى الانتخابية المتعلقة بمختلف إجراءات اليوم الانتخابي، وما قبله، بالوسائل القانونية السلمية، وذلك باتّباع الإجراءات التي وضعتها هيئات إدارة الانتخابات لتقديم الشكاوى، واللجوء إلى القضاء. غالباً ما يلزم تلك الهيئات عدة أيام، أو أحياناً أسابيع، لنشر النتائج النهائية المدقّق فيها.
تتيح مرحلة ما بعد الانتخابات لأصحاب الشأن تقييم العملية الانتخابية، تمهيداً لإجراء الإصلاحات اللازمة. فتقيّم هيئات إدارة الانتخابات والمجموعات المدنية الإجراءات الانتخابية، محدّدة السبل الكفيلة بإصلاح العناصر الداخلة في كل مرحلة، وتعزيزها. كذلك يمكن الإفادة من الفترات الفاصلة بين انتخابات وأخرى من أجل الاستعداد لأي انتخابات مستقبلية، بما في ذلك تحديث قوائم الناخبين ومعالجة المسائل المتعلقة بالإطار القانوني أو الإدارة المؤسساتية.
هل لديك رأي أو تجربة لمشاركتها؟
نحن نحب سماع أفكارك! شاركنا برأيك في التعليقات أدناه، وابقَ على اطلاع دائم بكل جديد على موقعنا.